في إنجاز علمي بارز، نجح فريق دولي من العلماء في رسم أول خريطة شاملة تُظهر النشاط العصبي المسؤول عن سلوكيات الثدييات، وذلك من خلال دراسة غطّت نحو 95% من دماغ الفأر وشملت تحليل أكثر من 600 ألف خلية عصبية، ونُشرت النتائج في دورية Nature المرموقة، لتشكل تحديًا للنظرة التقليدية التي تفترض أن اتخاذ القرار يحدث في مناطق محدودة من الدماغ.
الدراسة، التي قادها المختبر الدولي للدماغ (IBL)، تعد ثمرة تعاون غير مسبوق بين أكثر من 12 مختبرًا حول العالم، استعانوا بتقنية متقدمة تُعرف باسم مسبار نيوروبكسلز (Neuropixels)، القادرة على تسجيل نشاط ما يصل إلى ألف خلية عصبية في الوقت ذاته، هذه المقاربة الموحدة سمحت للعلماء بتجاوز القيود التي واجهت أبحاثًا سابقة اعتمدت على مهام مختلفة وطرائق متباينة، ما أدى آنذاك إلى نتائج متضاربة يصعب ربطها بصورة شاملة.
التجربة الرئيسية اعتمدت على 139 فأرًا، دُرّبت على الاستجابة لإشارات بصرية تظهر على شاشة؛ حيث كان يتعين على الفأر تدوير عجلة نحو الجهة اليسرى أو اليمنى عند ظهور خطوط سوداء وبيضاء، مقابل الحصول على مكافأة، المفهوم التقليدي كان يفترض أن العملية تسير بشكل متسلسل: من القشرة البصرية إلى مراكز اتخاذ القرار ثم إلى المناطق الحركية.
لكن النتائج كشفت صورة مختلفة تمامًا؛ إذ أظهرت أن الإشارات المرتبطة بالقرار تنتشر في مجموعة واسعة من مناطق الدماغ، لتدل على أن الذاكرة واتخاذ القرار عمليات أكثر تكاملًا وتوزيعًا مما كان يعتقد سابقًا. هذه الرؤية الجديدة تفتح آفاقًا لفهم أعمق لكيفية عمل الدماغ، وتضع أسسًا لدراسات مستقبلية قد تعيد تعريف علاجات الاضطرابات العصبية والسلوكية.